وقف ينظر بعين مليئة بالحزن على حاله وحظه العسر، الذى جعل موعد حقنته
الأسبوعية من عقار الإنترفيرون فى معهد الكبد يتزامن مع الإضراب العام
للأطباء، والذى لم يكن يعرف عنه شيئا.. عم "عاطف عيد " مريض بفيروس "سى"،
يأتى من الزقازيق كل أسبوع إلى معهد الكبد القريب من وسط البلد ليأخذ حقنة
الإنترفيرون..
إضراب الأطباء الذى أربك كافة المستشفيات ومنها معهد الكبد، سيدفع عم عاطف
إلى المبيت على رصيف الشارع المواجه للمعهد، لأنه لا يستطيع العودة مرة
أخرى إلى الزقازيق، فضلا عن عدم قدرته على استئجار حجرة فى أحد الفنادق
للمبيت فيها، وقال عم عاطف: "أنا بنام فى الشارع لأنى مش هاقدر أرجع
للزقازيق ولأن ظروفى صعبة مش هاقدر اركب المواصلات وأروح".
"اليوم السابع" اقترب من المرضى لمعرفة مدى تأثرهم بإضراب الأطباء، فكان
معهد الكبد أول المستشفيات التى توجهنا لها باعتباره قطاعا رسميا من قطاعات
وزارة الصحة، مما يعنى عدم اشتراكه بشكل مؤسسى كمستشفى فى الإضراب، ولكن
الإضراب فيه كان من خلال الأطباء العاملين به بصفتهم الشخصية، الأمر الذى
أدى لتكرار مشكلة عم "عيد" مع الحاج "ناصر عطية" القادم من بنى سويف، والذى
قطع كل تلك المسافة ليتلقى علاجه فى معهد الكبد، ويحصل هو الآخر على نصيبه
من حقنه الإنترفيرون..
الحاج ناصر قال: " وأنا ذنبى إيه، باخد يومين فى الأسبوع أجازة، يوم ما
باخد الحقنة ويوم بعدها، علشان فى يوم كامل بسافر فيه ويوم برتاح من تعب
السفر ومن الحقنة، لكن اللى حصل النهاردة هيمنعنى من صرف الحقن وهيعطلنى عن
شغلى"..المأساة نفسها تتكرر مع سمرة، هذا المريض البسيط الذى يطالب
المسئولين بضرورة توفير دوائه كحق من حقوقه، شرط أن يحصل عليه من خلال طبيب
حاصل على حقوقه هو الآخر.
أما المزارع البسيط "عبد العليم عويس"، والذى لا يمتلك سوى ما يجود به طين
أرضه والفيروس الساكن فى كبده، فيأتى كل أسبوع ليحقن بالإنترفيرون هو
الآخر، ورغم أنه يعيش بلا أمل فى العلاج، لكنه لا يزال يقاوم، قائلا:
"المشكلة كبيرة والأطباء لهم حق فى هذا الإضراب، فلا يوجد مواطن فى مصر
يحصل على كافة حقوقه بمن فيهم الأطباء، فعلى الدولة أن ترضى جميع الأطراف".
"عايزين علاجنا"، هذا ما طالب به "محمد حسين السويسى"، والذى يتردد على
مركز الغسيل الكلوى التابع لمعهد الكبد، لم يفقد الأمل وظل منتظرا لساعات
أمام المركز حتى يتسنى له الدخول، لعدم وجود أى تنسيق بين العمال والأطباء
حول مدى مشاركتهم فى الإضراب، قائلا: "حلال ده ولا حرام، أقعد 3 ساعات فى
الشارع عشان أدخل الجلسة ؟؟".. سؤال وجيه طرحه هذا المواطن البسيط، فهل
هناك مسئول يملك إجابة مقنعة؟
الإضراب الذى شهد انقساما بين الأطباء حول المشاركة فيه، شهد أيضا انقساما
بين المرضى فى مدى تأثرهم به، لأن أقسام الطوارئ والاستقبال، لم تتأثر
مطلقا، لأنها كانت خارج إطار الإضراب، على عكس العيادات الخارجية والتى
تعتبر الطاقة الحقيقية للمستشفيات..
"صباح حسين" حملت صغيرها الذى لا يتجاوز عمره الخمس سنوات إلى مستشفى
الهرم، بعد أن تعرض لكسر فى ذراعه بسبب سقوطه من أعلى السلم، ولكنها وجدت
الحركة متوقفة فى المستشفى تماما، وعندما سألت عن السبب، فوجئت بأن
الطوارىء فقط هى التى تستقبل المرضى مع توقف العيادات، وهذا هو سبب
الزحام..حمدت صباح ربها ودخلت قسم الطوارئ، والذى كان يستقبل المرضى وفق
قواعد الإضراب، وأجرت لصغيرها الكشف وجبست يديه ثم خرجت من المستشفى.
ولكن الوضع اختلف مع "سعيدة عبد الوكيل"، التى جاءت إلى المستشفى لتكشف
بقسم العيون دون أن تعرف شيئا عن الإضراب، ولكنها وجدت جميع عيادات الرمد
لا تعمل تحت شعار الإضراب، وهو ما أصابها بحالة من الضيق قائلة: "حقى أنى
أتعالج وقت ما اتعب"، الضرر الذى أصاب هذه المواطنة البسيطة، متعلقا
بإحساسها بعدم حصولها على حقها فى العلاج.