"إلى من يتحكم فى تفكيرى، ويسيطر على عقلى، إلى
من تنجذب له عينى ويخفق له قلبى، اختصر كل تلك المشاعر فى كلمة بحبك، وهى
من داخلى وخارجى وفى كل مكان وزمان.. حبك غيرة وجنون، كلامك جميل وخفيف،
قلبك طيب وحنين بس مش واضح، وغيرتك صعبة ومجنونة مثلك" ... كلمات كتبتها
حبيبة خالد التى رسمها بقلم رصاص على ورقة احتفظ بها، كلمات تحكى قصة حب
دمرتها مظالم العهد البائد، وإنكاره حق المصريين فى الحياة، وفى الحب ..
رسالة حبيبة خالد لاتزال موجودة فوق مكتبه داخل منزله بالإسكندرية.
أسرة الشهيد التى لم يغب عنها طيف الشاب الذى قضى نحبه على يد شرطة العادلى
ومبارك، استعادت معنا شريط الذكريات ورجعنا إلى الخلف قليلاً لنتذكر بداية
القصة.
فى السادس من يونيو 2010، كان خالد جالسًا على أحد "كافيهات" الإنترنت فى
شارع بوباست فى منطقة كيلوباترا بالإسكندرية.. دخل اثنان من مخبرى قسم سيدى
جابر وطلبا من المتواجدين إبراز بطاقات الهوية الخاصة بهم، وقاما بتفتيشهم
بالقوة، وحين أبرز لهم خالد سعيد بطاقته حاولوا القبض عليه مدعين أنه هارب
من التجنيد وسبق اتهامه فى قضايا سرقة.. هرب خالد لكنه لم يفلت من قوات
الشرطة التى لحقت به وألقت القبض عليه، ثم ذهبت به إلى قسم شرطة سيدى جابر
ليلقى هناك حتفه بعد عمليات تعذيب تعرض لها.
فى ميدان كليوباترا بالإسكندرية، قطعنا الخطى نحو منزل خالد سعيد.. لفت
نظرنا كثرة القطط التى تصحبنا فى نفس الاتجاه، وعندما سألنا أسرته عنها،
قالوا لنا إن الشهيد "كان يطعم القطط حيًا ويقودها إلى زوار منزله ليطعموها
وهو ميت".
فى مثل هذا اليوم، كان خالد يصرخ من قلبه "سيبونى هاموت" محاولاً الهرب من
أيدى ضباط ومخبرين أمسكوا به واقتادوه إلى قسم الشرطة، لم يشفع له صراخه،
ولم تحرك توسلاته قلوب من اقتادوه إلى آخر محطاته فى هذه الدنيا، حيثُ لقى
مصرعه بعد تعذيبه داخل قسم الشرطة.
صعدنا إلى منزل خالد سعيد .. أهل الشهيد، احتفظوا بكل أدواته فى مكانها لم
يغيروها أو يبدلوا مكانها وينقلوها إلى موضع آخر، حتى شرائط الموسيقى التى
كان يستمع إليها تركوها مكانها، "الكمبيوتر" الخاص به يردد سورة "الضحى"
التى كان يستمع إليها خالد فور "تشغيله"، وعلى الحائط صورة حبيبته.
داخل منزل الشهيد، تحدث إلينا شقيقه أحمد الذى قضى فترة طويلة من حياته فى
أمريكا، قائلاً: "صورة خالد لم تفارقنا طوال هذا العام، كأنه كان معنا
بالأمس ويتحدث إلينا.. كان شابًا طموحًا".
أضاف أحمد: " خالد كرِه الفساد المنتشر فى قطاعات متعددة خاصة ضباط الشرطة،
وبدأ يستمع إلى خطب الرئيسين السابقين عبدالناصر والسادات، ويحتفظ بها على
هاتفه المحمول، كان خالد يتحدث دائمًا عن تخصيص الدولة الأراضى والقصور
للوزراء وكبار رجال الدولة، ويؤكد ضيقه من هذا الفساد ورغبته فى الرحيل عن
مصر لبناء مستقبله بعيدًا عن تلك الأجواء".
كتم أحمد دموعه، وقصّ واقعة دلل بها على نُبل شقيقه حين أحضر إليهم فى أحد
الأيام فقيرًا كان ينام فى إحدى المواقف، وطلب منه أن يستحم ثم قام بحلق
شعر رأسه وأطعمه وأعطاه مبلغا من المال، وأضاف: "لم ننس خالد، ولا يمكن أن
ننساه، كل ما نريده الآن هو القصاص العادل ممن ظلمه وقتله".
التقط أحمد الدمرداش أحد أصدقاء الشهيد أطراف الحديث، قائلاً: "خالد كان له
أصدقاء كثيرون فى المنطقة وعلى "فيس بوك" ، إلا أنه لم يكن يحب الخروج
معهم بل كان يفضل رحلات الغطس والقراءة والتأمل فى السماء"، مضيفا : "أكثر
ما كان يزعج خالد هو أنه لم يكن يجد من يفهمه ويناقشه جيدًا فى أفكاره".